دعم الحكومة للأسعار ليس الحل الأمثل لانخفاضها

طلعت زكي حافظ
تباينت الآراء الاقتصادية حول مدى جدوى استمرار الحكومة في دعم السلع والمواد الأساسية وبالذات الغذائية، ولا سيما وأن تأثير مثل هذا الدعم في سلوك واتجاه ارتفاع الأسعار قد يكون عديم الجدوى على المديين المتوسط والطويل.

الدكتور فواز عبد الستار العلمي أوضح في مقال له نشر في صحيفة ''الوطن'' في العدد 3959 بعنوان: ''تخفيض الأسعار لا يحتاج لعصا سحرية''، أن الاعتقاد السائد بأن أسعار الغذاء قد تنخفض في أسواقنا، نتيجة الدعم الحكومي السخي هو اعتقاد صحيح على المدى القصير فقط، لكون أن ظاهرة ارتفاع أسعار الغذاء ليست مقتصرة على السوق السعودية فقط، بل إنها طالت جميع الأسواق على مستوى العالم دون استثناء، مما يتطلب الأمر بحث أسباب المشكلة واجتثاثها من جذورها على المدى البعيد.

تقرير صدر عن منظمة الأغذية والزراعة ''الفاو''، أوضح أنه من المرجح أن يغلب الارتفاع والتقلب على أسعار المواد الغذائية في أسواق السلع الأساسية، داعيا إلى ضخ مزيد من الاستثمارات في الزراعة.

هناك تقارير أخرى أيضا تؤكد أن ارتفاع الأسعار العالمية للسلع الغذائية سيبقى مستمرا لبقية العام الحالي وحتى عام 2012، نتيجة لعدد من العوامل، من بينها الانخفاض في حجم المخزون الغذائي، والذي قابله زيادة طفيفة جدا في إنتاج المحاصيل الزراعية الرئيسة، كما أن الزيادة في أسعار المحاصيل الزراعية أصبحت اليوم سمة العصر، وتعد امتدادا تاريخيا للزيادة، التي شهدتها أسعار المواد الغذائية خلال الأعوام الماضية، حيث على سبيل المثال وبالتحديد خلال الفترة ما بين عامي 2006 و2008، ارتفعت الأسعار العالمية للسلع الغذائية الأساسية بنسبة 60 في المائة، كما قد تضاعفت خلال تلك الفترة أسعار الحبوب، وخلال عام 2008 واصلت أسعار المواد الغذائية ارتفاعها في الأسواق العالمية إلى أعلى مستوياتها منذ 30 عاما، ما تسبب في حدوث حالة من الاضطراب والقلق والارتباك في الأسواق، إضافة إلى تضرر عدد كبير من الدول الفقيرة، بسبب انتشار أمراض سوء التغذية والمجاعة، ما أدى إلى ارتفاع حاد في عدد الجوعى على مستوى العالم، الذين تجاوز عددهم أكثر من مليار شخص.

من بين أبرز الأسباب أيضا، التي تسببت في ارتفاع أسعار المواد الغذائية على مستوى العالم، والتي أشار إليها الدكتور العلمي في مقاله المذكور، زيادة الطلب العالمي على الغذاء سنويا بنسبة 3 في المائة، نتيجة للنمو المطرد في عدد السكان، والذي صاحبه تراجع في إنتاج السلع الغذائية بنسب فاقت نسبة 7 في المائة. ومن بين أسباب ارتفاع الأسعار كذلك، الزيادة الملحوظة في أسعار النفط العالمية خلال الفترة الماضية، والتي انعكست بدورها على زيادة تكاليف إنتاج السلع الغذائية وتخزينها بما في ذلك التأمين عليها، ونقلها بنسبة 27 في المائة.

هناك أسباب أخرى كذلك أدت إلى ارتفاع أسعار السلع الغذائية على مستوى العالم، من بينها توجه بعض الدول على مستوى العالم لصناعة ما يعرف بالوقود البديل عن النفط لتوليد الطاقة، مثل الإيثانول Bio-ethanol fuel الذي يتم استخلاصه من عدد من المواد الغذائية مثل السكر الطبيعي والمواد النشوية الموجودة بالذرة والقمح وغيرها، ومن بين الأسباب أيضا التي أدت إلى ارتفاع الأسعار، ما شهدته مناطق عدة على مستوى العالم، من تغيرات مناخية قاسية، نتج عنها شح في المياه واتساع في رقعة التصحر، الأمر الذي أدى إلى الانخفاض في مساحات الأراضي الصالحة للزراعة.

بالنسبة لأسباب ارتفاع أسعار السلع الغذائية في السوق المحلية، يعزيها البعض إلى جشع واستغلال التجار، برفعهم للأسعار دون وجود مبرر مقنع لذلك، وبالذات في غياب رقابة حكومية مشددة على الأسواق، في حين يعزيها البعض الآخر إلى ثقافتنا الشرائية والاستهلاكية الخاطئة، وفق ما وصفت الكاتبة نجوى هاشم ذلك في مقالها بعنوان: ''الشراء دون إغراءات''، الذي نشر في صحيفة ''الرياض'' في العدد 15749، الذي أكدت من خلاله أن المشتري السعودي يشتري ما يلزمه ولا يلزمه، وهذا المشهد يتكرر في نهاية الشهر، وبالذات ليلة استلام الراتب.

أتفق تماما مع الدكتور فواز العلمي، بأن الخروج من مأزق ارتفاع أسعار السلع الغذائية في الأسواق المحلية، يتطلب إنشاء مخزون استراتيجي للغذاء، وبالذات بالنسبة للسلع الغذائية الأساسية، ولا سيما وأن المملكة على سبيل المثال تحتل المرتبة الرابعة في استيراد احتياجاتها من الأرز، كما أن الأمر يتطلب البحث عن بدائل لاستيراد المواد الغذائية، والاعتماد على مبدأ الشراء الآجل، الذي يتيح توفير السلع الغذائية بأسعار تنافسية على مدار العام، وبتكاليف مستقبلية قد تكون أفضل من الأسعار الفورية Spot.

من بين الحلول أيضا المطلوب تبني تنفيذها للتغلب على ظاهرة ارتفاع الأسعار، إنشاء شركات عملاقة مختلطة الملكية بين القطاعين (العام والخاص)، في صناعة السلع الغذائية، وبالذات السلع الأساسية، بهدف توفيرها للأسواق بشكل منتظم وبأسعار تنافسية.

إن اللجوء لتطبيق مثل هذه الحلول العملية وغيرها، يتوقع له أن يعمل بنهاية المطاف، وبالذات على المديين المتوسط والطويل على توفير السلع الغذائية في الأسواق بأسعار معقولة ومنطقية، كما أن مثل هذه الحلول تعد أفضل بكثير من مطالبة الدولة بالتدخل في تحديد الأسعار أو في استمرار دعمها للسلع الغذائية ومدخلات الإنتاج الأساسية، ولا سيما وأن مثل هذا الدعم، يكلف الدولة مبالغ طائلة، تقدر بنحو 12 مليار ريال سنويا.

إن تبني تطبيق مثل هذه الحلول، سيكون أيضا أفضل بكثير من الاستمرار في توجيه التهم إلى التجار ووصفهم بالجشع والاستغلال، أو المطالبة بمقاطعة السلع التي تباع في الأسواق، وبالذات في ظل وجود تأثيرات وأسباب عالمية لارتفاع الأسعار، قد تكون خارجة في معظم الأحيان، عن إرادة التاجر وإرادة وزارة التجارة والصناعة، والله من وراء الق

صد.

شكرا لك على الموضوع الرائع