مصيدة البنوك والأسماك البشرية

ربما لا نأتي بجديد صادم، إن زعمنا أن أغلب البنوك العاملة في واقعنا تتعامل معنا على أننا فرائس منطلقة في الحياة، والمحظوظ منها من يقتنص إلى مصيدته أكبر عدد ممكن، في تنافس محموم بينها على استدراج «الأسماك» البشرية إلى شباك القروض، وما هي إلا لحظات ممتعة في تناول طُعم التسهيلات والإغراءات، حتى تبدأ بعد ذلك مرحلة الانتشال من ماء الحياة الطبيعية، إلى سلّة الهموم والاختناق والحصار بالملاحقات اليومية، والجري بلا توقف خلف بطاقات الائتمان وتجديد القروض، في حلقة مفرغة تبدأ حيث تنتهي..

عروض الصيف المغرية، إجازات برصيد مفتوح، سفر مجاني، سيارة فارهة من دون دفعات أولى، قروض بفوائد قليلة جداً، بطاقات ائتمان ذهبية وماسية وبألوان الطيف! وغيرها من الطعوم المتدلية هنا وهناك على أبواب البنوك، وفي الصحف ووسائل الإعلام والرسائل النصية على الهواتف المتحركة، وعلى زجاج السيارات ونوافذ المنازل ووجبات الطعام وكل شيء حولك، هذا فضلاً عن مندوبي البنوك المتبرعين طوعاً لزيارتك المفاجئة في مكتبك، لينقذوك من عذاب الأزمات المالية التي تعاني منها وكأنهم المخلّصون من جحيم الحياة! ويضاف إلى هؤلاء جميعاً بعض الأصدقاء الناصحين باللجوء إلى البنوك، تحت عباءة مبرر اجتماعي مفاده أن تمد يدك إلى البنوك خير من أن تمدها إلى الناس، أعطوك أو منعوك!

حالة نعاني منها جميعاً على اختلاف مستوياتنا المالية ووظائفنا، فالبنوك قادرة على صناعة المصائد المناسبة لكل سمكة مهما صغرت أو كبرت، ولكل نفس مدخل إلى استدراجها، ولا يكاد ينجو من ذلك إلا المحظوظون وقليل ما هم.

والمشكلة لم تبدأ من هنا على الأغلب، بل كانت إحدى ثمرات ظاهرة أكبر عمت مجتمعاتنا، وهي ظاهرة فورة الاستهلاك، والتفنن في تلبية الحاجات والرغبات مهما كانت ثانوية، ونقلها إلى مستوى الضروريات التي لا بد منها، لتتجاوب معها الأسواق بالمزيد من السلع والخدمات الاستهلاكية والإعلان عنها، ثم المزيد من وسائل تلبيتها عبر القروض والمصارف وصفقات التمويل ولو لآجال طويلة، والمستفيد بلا أدنى شك هو البنوك التي تهرب من تراكم فوائضها النقدية إلى توزيعها على الناس، من خلال القروض لتشغيلها وتقليل أخطار خسائرها.

هذا المناخ الاستهلاكي الطافح، مقروناً بأزمات القروض الشخصية غير المنتهية والممتدة على معظم أبناء مجتمعنا، حتى وصلت نسبة المتورطين مع البنوك على شكل قروض أو تمويلات أو بطاقات ائتمان وغيرها إلى أكثر من 85 في المئة، حسب بعض الدراسات.. أورث هذا الوضع جملة من المشكلات الاجتماعية والنفسية على مستوى الأشخاص، تبدأ بالقلق اليومي والتوتر والاكتئاب، وتنتهي أحياناً بانفراط عقد الأسر أو الهروب من الحياة بأي وسيلة كانت.

هو دمار حقيقي لبنية المجتمع إذا استمر هذا التساهل في اصطياد الناس بهذه الطريقة، التي تصل بهم إلى آثار أليمة إذا استمر التغاضي عن تمرد البنوك واستغلالها لحاجاتهم، والزج بهم إلى طموحات موهومة من الثراء وتلبية الحاجات، بمجرد توقيع على ورقة لا يعرف الكثيرون ما فيها من قيود أو شروط أو التزامات.

والخروج من هذه المعضلة لا بد أن يشترك في بنائه جميع أركانها، بدءاً من الشخص المقترض، إلى البنك المُقرض، إلى الجهات القانونية الراعية لمثل هذه العقود والصفقات والحامية لحقوق الطرفين.

فوقفة بسيطة للشخص المقترض قبل التوقيع على عقد القرض البنكي، يجيب فيها عن حقيقة واقعه المادي ودخله الشهري ومستقبله المهني والضرورة الملحّة التي دفعته إلى الاقتراض، وهل يمكن الصبر عليها أو تأجيلها أو البحث عن حلول تدريجية لها، أو تجاوزها والاستغناء عنها، والنظر في حال الآلاف من الناس الملاحقين من البنوك والشرطة..

هذه الوقفة البسيطة كفيلة بمراجعة أمر القرض الشخصي كثيراً قبل التوقيع عليه، والعاقل من يعتبر بغيره، لا سيما أن هناك من الناس من قد وصلوا إلى مرحلة الظاهرة، واقعين خلف قضبان السجون نتيجة تراكم الديون البنكية وغيرها، متعثرين لا يقدرون على الوفاء بالتزاماتهم المالية.. والبنوك هي الأخرى مطالبة، كواجب أخلاقي، بعدم التساهل في شروط منح القروض والبحث عن بدائل استثمارية تغطي بها حاجاتها وتزيد أرباحها، لا أن تقتات على حاجات الناس وتتصيد عثراتهم!!

أما الجهات القانونية فمطالبة بتشديد الرقابة على البنوك وشروط الإقراض الشخصي، وتوعية الناس بمخاطر القروض وحماية حاجاتهم من أن تستغل بطرق انتهازية، لأن الضرر من اختلال الاستقرار الاجتماعي الذي يبدأ بالفرد، سينعكس على الجميع وسيهدد أمن المجتمع واستقرار

ه.

تسلم على المجهود

لا شكر على واجب

مشكوووور

مشكوووووووور مرة اخرى